Friday, August 29, 2008

مرض القلوب

ومرض القلوب نوعان مرض شبهة وشك ومرض شهوة وغي وكلاهما في القرآن قال تعالى في مرض الشبهة في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا وقال تعالى وليقول الذين في قلوبهم مرض والكافرون ماذا أراد الله بهذا مثلا وقال تعالى في حق من دعي إلى تحكيم القرى والسنة فأبى وأعرض وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين أفي قلوبهم مرض أم أرتابوا أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله بل أولئك هم الظالمون فهذا مرض الشبهات والشكوك وأما مرض الشهوات فقال تعالى يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقتين فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض فهذا مرض شهوة الزنا والله أعلم فصل وأما مرض الأبدان فقال تعالى ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج وذكر مرض البدن في الحج والصوم والوضوء لسر بديع يبين لك عظمة القرآن والاستغناء به لمن فهمه وعقله عن سواه وذلك أن قواعد طب الأبدان ثلاثة حفظ الصحة والحمية عن المؤذي واستفراغ المواد الفاسدة فذكر سبحانه هذه الأصول الثلاثة وفي هذه المواضع الثلاثة فقال في آية الصوم فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر فأباح الفطر للمريض لعذر المرض وللمسافر طلبا لحفظ صحته وقوته لئلا يذهبها الصوم في السفر لاجتماع شدة الحركه وما يوجبه من التحليل وعدم الغذاء الذي يخلف ما تحلل فتخور القوة وتضعف فأباح للمسافر الفطر حفظا لصحته وقوته عما يضعفها وقال في آية الحج فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك فأباح للمريض ومن به أذى من رأسه من قمل أو حكة

أو غيرهما أن يحلق رأسه في الإحرام استفراعا لمادة الأبخرة الرديئة التي أوجبت له الأذى في رأسه باحتقانها تحت الشعر فإذا حلق رأسه ففتحت المسام فخرجت تلك الأبخرة منها فهذا الاستفراغ يقال عليه كل استفراغ يؤذ انحباسه والأشياء التي يوذى انحباسها ومدافعتها عشرة الدم إذا هاج والمني إذا تتابع والبول والغائط والريح والقىء والعطاس والنوم والجوع والعطش وكل واحد من هذه العشرة يوجب حبسه داء من الأدواء بحبسه وقد نبه سبحانه باستفراغ أدناها وهو البخار المحتقن في الرأس على استفراغ ما هو أصعب منه كما هي طريقة القرآن التنبيه بالأدنى على الأعلى وأما الحمية فقال تعالى في آية الوضوء وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فأباح للمريض العدول عن الماء إلى التراب حمية له أن يصيب جسده ما يؤذيه وهذا تنبيه على الحمية عن كل مؤذ له من داخل أو خارج فقد أرشد سبحانه عباده إلى أصول الطب الثلاثة ومجامع قواعده ونحن نذكر هدى رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك ونبين أن هديه فيه أكمل هدي فأما طب القلوب فمسلم إلى الرسل صلوات الله وسلامه عليهم ولا سبيل إلى حصوله إلا من جهتهم وعلى أيديهم فإن صلاح القلوب أن تكون عارفة بربها وفاطرها وبأسمائه وصفاته وأفعاله وأحكامه وأن تكون مؤثرة لمرضاته ولمحابة متجنبة لمناهيه ومساخطه ولا صحة لها ولا حياة البتة إلا بذلك ولا سبيل إلى تلقيه إلا من جهة الرسل ما يظن من حصول صحة القلب بدون أتباعهم فغلط ممن يظن ذلك وإنما ذلك حياة نفسه البهيمية الشهوانية وصحتها وقوتها وحياة قلبه وصحته وقوته عن ذلك بمعزل

ومن لم يميز هذا وهذا فليبك على حياة قلبه فإنه من الأموات وعلى نوره فإنه منغمس في بحار الظلمات

No comments: