Friday, August 29, 2008

في معالجة المرضى بترك أعطائهم ما يكرهونه من الطعام والشراب وأنهم لا يكرهون على تناولهما


فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في معالجة المرضى بترك أعطائهم ما يكرهونه من الطعام والشراب وأنهم لا يكرهون على تناولهما
روى الترمذي في جامعة وابن ماجه عن عقبة بن عامر الجهني قال قال

رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تكرهوا مرضاكم على الطعام والشراب فإن الله عز وجل يطعمهم ويسقيهم قال بعض فضلاء الأطباء ما أغزر فوائد هذه الكلمة النبوية المشتملة على حكم إلهية لا سيما للأطباء ولمن يعالج المرضى وذلك أن المريض إذا عاف الطعام أو الشراب فذلك لاشتغال الطبيعة بمجاهدة المرض أو لسقوط شهوته أو نقصانها لضعف الحرارة الغريزية أو خمودها وكيفما كان فلا يجوز حينئذ إعطاء الغذاء هذه في الحالة وأعلم أن الجوع إنما هو طلب الأعضاء للغذاء لتخلف الطبيعة به عليها عوض ما يتحلل منها فتجذب الأعضاء القصوى من الأعضاء الدنيا حتى ينتهي الجذب إلى المعدة فيحس الإنسان بالجوع فيطلب الغذاء وإذا وجد المرض اشتغلت الطبيعة بماجته وإنضاجها وإخراجها عن طلب الغذاء أو الشراب فإذا أكره المريض على استعمال شيء من ذلك تعطلت به الطبيعة عن فعلها واشتغلت بهضمه وتدبيره عن إنضاج مادة المرض ودفعه فيكون ذلك سببا لضرر المريض ولا سيما في أوقات البحارين أو ضعف الحار الغريزي أو خموده فيكون ذلك زيادة في البلية وتعجيل النازلة المتوقعة ولا ينبغي أن يستعمل في هذا الوقت والحال إلا ما يحفظ عليه قوته ويقويها من غير استعمال مزمعج للطبيعة البتة وذلك يكون بما لطف قوامه من الأشربة والأغذية واعتدال مزاجه كشراب اللينوفر والتفاح والورد الطري مزاجه كشراب اللينوفر والتفاح والورد الطري وما أشبه ذلك ومن الأغذية أمراق الفراريج المعتدلة المطيبة فقط وإنعاش قواه بالأرابيج العطرة

الموافقة والاخبار السارة فإن الطبيب خادم الطبيعة ومعينها لا معيقها وأعلم أن الدم الجيد هو المغذي للبدن وأن البلغم دم فج قد نضج بعض النضج فإذا كان بعض المرضى في بدنه بلغم كثير وعدم الغذاء عطفت الطبيعة عليه وطبخته وأنضجته وصيرته دما وغذت به الأعضاء واكتفت به عما سواه والطبيعة هو القوة التي وكلها الله سبحانه بتدبير البدن وحفظه وصحته وحراسته مدة حياته وأعلم أنه قد يحتاج في الندرة إلى إجبار المريض على الطعام والشراب وذلك في الأمراض التي يكون معها اختلاط العقل وعلى هذا فيكون الحديث من العام المخصوص أو من المطلق الذي قد دل علىتقييده دليل ومعنى الحديث أن المريض قد يعيش بلا غذاء أياما لا يعيش الصحيح في مثلها وفي وقوله صلى الله عليه وسلم فإن الله يطعمهم ويسقيهم معنى لطيف زائد على ما ذكره الأطباء لا يعرفه إلا من له عناية بأحكام القلوب والأرواح وتأثيرها في طبيعة البدن وانفعال الطبيعة عنها كما تنفعل هي كثيرا عن الطبيعة ونحن نشير إليه إشارة فنقول النفس إذا حصل لها ما يشغلها من محبوب أو مكروه أو مخوف اشتغلت به عن طلب الغذاء والشراب فلا تحس بجوع ولا عطش بل ولا حر ولا برد بل تشتغل به عن الإحساس بالمؤلم الشديد الألم فلا تحس به وما من أحد إلا وقد وجد في نفسه ذلك أو شيئا منه وإذا اشتغلت النفس بما دهمها وورد علهيا لم تحس بألم الجوع فإن كان الوارد مفرحا قوي التفريح قام لها مقام الغذاء فشبعت به وانتعشت قواها وتضاعفت وجرت الدموية في الجسد حتى تظهر في سطحه فيشرق وجهه وتظهر دموتيه فإن الفرح يوجب انبساط دم القلب فينبعث في العروق فتمتلىء به

فلا تطلب الأعضاء معلومها من الغذاء المعتاد لاشتغالها بما هو أحب إليها وإلى الطبيعة منه والطبيعة إذا ظفرت بما تحب آثرته على ما هو دونه وإن كان الوارد مؤلما أو محزنا أو مخوفا اشتغلت بمحاربته ومقاومته ومدافعته عن طلب الغذاء فهي في حال حربها في شغل عن طلب الطعام والشراب فإن ظفرت في هذا الحرب انتعشت قواها واخلفت عليها نظير ما فاتها من قوة الطعام والشراب وإن كانت مغلوبة مقهورة انحطت قواها بحسب ما حصل لها من ذلك وإن كانت الحرب بينها وبين هذا العدو سجالا فالقوة تظهر تارة وتخفي أخرى وبالجملة فالحرب بينهما علىمثال الحرب الخارج بين العدوين المتقابلين والنصر للغالب والمغلوب إما قتيل وإما جريح وإما أسير فالمريض له مدد من الله تعالى يغذيه به زائدا على ما ذكره الأطباء من تغذيته بالدم وهذا المدد بحسب ضعفه وانكساره وانطراحه بين يدي ربه عز وجل فيحصل له من ذلك ما يوجب له قربا من ربه فإن العبد أقرب ما يكون من ربه إذا انكسر قلبه ورحمة ربه قريبة منه فإن كان وليا له حصل له من الأغذية القلبية ما تقوى به قوي طبيعته وتنتعش به قواه أعظم من قوتها وانتعاشها بالأغذية البدنية وكلما قوى إيمانه وحبه لربه وأنسه به وفرحه به وقوى يقينه بربه واشتد شوقه إليه ورضاه به وعنه وجد في نفسه من هذه القوة مال لا يعبر عنه ولا يدركه وصف طبيب ولا يناله علمه ومن غلظ طبعه وكشفت نفسه عن فهم هذا والتصديق به فلينظر حال كثير من عشاق الصور الذين قد امتلأت قلوبهم بحب ما يعشقونه من صورة أو جاه أو مال أو علم وقد شاهد الناس من هذا عجائب في أنفسهم وفي وغيرهم وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يواصل في الصيام الأيام

ذوات العدد وينهى أصحابه عن الوصال ويقول لست كهيئتكم إني أظل يطعمني ربي ويسقيني ومعلوم أن هذا الطعام والشراب ليس هو الطعام الذي يأكله الإنسان بفهمه وإلا لم يكن مواصلا ولم يتحقق الفرق بل لم يكن صائما فإنه قال أظل يطعمني ربي ويسقيني وأيضا فإنه فرق بينه وبينهم في نفس الوصال وأنه يقدر منه على ما لايقدرون عليه فلو كان يأكل ويشرب بفهمه لم يقل لست كهيئتكم وإنما فهم هذا من الحديث من قل نصيبه من غذاء الأرواح والقلوب وتأثيره في القوة وإنعاشها واغتذائها به فوق تأثير الغذاء الجسماني والله الموفق

No comments: