Friday, August 29, 2008

في علاج الرمد بالسكون والدعة وترك الحركة والحمية مما يهيج الرمد


فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في علاج الرمد بالسكون والدعة وترك الحركة والحمية مما يهيج الرمد
وقد تقدم أن النبي صلى الله عليه وسلم حمى صهيبا من التمر وأنكر عليه أكله وهو أرمد وحمى عليا من الرطب لما أصابه الرمد وذكر أبو نعيم في كتاب الطب النبوي أنه صلى الله عليه وسلم إذا رمدت عين امرأة من نسائه لم يأتها حتى تبرأ عينها الرمد ورم حار يعرض في الطبقة الملتحمة من العين وهو بياضها الظاهر وسببه انصباب أحد الأخلاط الأربعة أو ريح حارة تكثر كميتها في الرأس والبدن فينبعث منها قسط إلى جوهر العين أو ضربة تصيب العين فترسل الطبيعة إليها من الدم والروح مقدارا كثيرا تروم بذلك شفاءها مما عرض لها ولأجل ذلك يورم العضو المضروب والقياس يوجب ضده

وأعلم أنه كما يرتفع من الأرض إلى الجو بخاران أحدهما حار يابس والآخر حار رطب فينعقدان سحابا متراكما ويمنعان أبصارنا من إدراك السماء فكذلك يرتفع من قعر المعدة إلى منتهاها مثل ذلك فيمنعان النظر ويتولد عنهما علل شتى فإن قويت الطبيعة على ذلك ودفعته إلى الخياشيم أحدث الزكام وإن دفعته إلى اللهاة والمنخرين أحدث الخناق وإن دفعته إلى الجنب أحدث الشوصة وإن دفعته إلى الصدر أحدث النزلة وإن انحدر إلى القلب أحدث الخبطة وإن دفعته إلى العين أحدث رمدا وإن انحدر إلى الجوف أحدث السيلان وإن دفعته إلى منازل الدماغ أحدث النسيان وإن ترطبت أوعية الدماغ منه وأمتلأت به عروقه أحدث النوم الشديد ولذلك كان النوم رطبا والسهر يابسا وإن طلب البخار النفوذ من الرأس فلم يقدر عليه أعقبه الصداع والسهر وإن مال البخار إلى أحد شقي الرأس أعقبه الشقيقة وإن ملك قمة الرأس ووسط الهامة أعقبه داء البيضة وإن برد منه حجاب الدماغ أو سخن أو ترطب وهاجت منه أرياح أحدث العطاس وإن أهاج الرطوبة البلغيمية فيه حتى غلب الحار الغريزي أحدث الإغماء والسكتات وأن أهاج المرة السوداء حتى أظلم هواء الدماغ أحدث الوسواس وإن فاض ذلك إلى مجاري العصب أحدث الصرع الطبيعي وإن ترطبت مجامع عصب الرأس وفاض ذلك في مجاريه أعقبه الفالج وإن كان البخار من مرة صفراء ملتهبة محمية للدماغ أحدث البرسام فإن شركه الصدر في ذلك كان سرساما فافهم هذا الفصل والمقصود أن أخلاط البدن والرأس تكون متحركة هائجة في حال الرمد والجماع مما يزيد حركتها وثورانها فإنه حركة كلية للبدن والروح والطبيعة فأما البدن فيسخن بالحركة لا محالة والنفس تشتد حركتها طابا للذة واستكمالها والروح تتحرك تبعا لحركة النفس والبدن فإن أول تعلق الروح من البدن بالقلب ومنه ينشأ الروح

وينبت في الأعضاء وأما حركة الطبيعة فلأن ترسل ما يجب إرساله من المني على المقدار الذي يجب إرساله وبالجملة فالجماع حركة كلية عامة يتحرك فيها البدن وقواه وطبيعته وأخلاطه والروح والنفس فكل حركة فهي مثيرة للأخلاط مرققة لها توجب دفعها وسيلانها إلى الأعضاء الضعيفة والعين في حال رمدهاأضعف ما يكون فأصر ما عليها حركة الجماع قال أبقراط في كتاب الفصول وقد يدل ركوب السفن أن الحركة تثور الأبدان هذا مع أن في الرمد منافع كثيرة منها ما يستدعيه من الحمية والاستفراغ وتنقية الرأس والبدن من فضلاتها وعفوناتهما والكف عما يؤذي النفس والبدن من الغضب والهم والحزن والحركات العنيفة والأعمال الشاقة وفي أثر سلفي لا تكرهوا الرمد فإنه يقطع عروق العمي ومن أسباب علاجه ملازمه السكون والراحة وترك مس العين والاشتغال بها فإن أضداد ذلك يوجب انصباب المواد إليها وقد قال بعض السلف مثل أصحاب محمد مثل العين ودواء العين ترك مسها وقد روى في حديث مرفوع الله أعلم به علاج الرمد تقطير الماء البارد في العين وهو من أكبر الأدوية للرمد الحار فإن الماء دواء بارد يستعان به على طفء حرارة الرمد إذا كان حارا ولهذا قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه لامرأته زينب وقد اشتكت عينها لو فعلت كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم كان خيرا لك وأجدر أن تشفى تنضحين في عينك الماء ثم تقولين أذهب الباس رب الناس واشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك لا يغادر سقما

كلام النبوة الجزئي الخاص كليا عاما ولا الكلى العام جزئيا خاصا فيقع من الخطا وخلاف الصواب ما يقع والله أعلم

No comments: