Friday, August 29, 2008

طب الابدان

فصل وأما طب الابدان فإنه نوعان نوع قد فطر الله عليه الحيوان ناطقه وبهيمة فهذا لا يحتاج فيه إلى معالجة طبيب كطب الجوع والعطش والبرد والتعب بأضدادها وما يزبلها والثاني ما يحتاج إلى فكر وتأمل كدفع الأمراض المتشابهة الحادثة في المزاج بحيث يخرج بها عن الاعتدال إما إلى حرارة أو برودة أو يبوسة أو رطوبة أو ما يتركب من اثنين منها وهي نوعان إما مادية وإما كيفية أعنى إما أن يكون بانصباب مادة أو بحدوث كيفية والفرق بينهما أن امراض الكيفيةتكون بعد زوال المواد التي أوجبتها فتزول موادها ويبقى أثرها كيفية في المزاج وأمراج المادة أسبابها معها تمدها وإذا كان سبب المرض معه فالنظر في السبب ينبغي أن يقع اولا ثم في المرض ثانيا ثم في الدواء ثالثا أو الأمراض الآلية وهي التي تخرج العضو عن هيئتة إما في شكل أو تجويف أو مجرى او خشونة أو ملامسة أو عدد أو عظم أو وضع فإن هذه الأعضاء إذا تألفت وكان منها البدن سمى تألفها اتصالا والخروج عن الاعتدال فيه يسمى تفرق الاتصال أو الأمراض العامة التي تعم المتشابهة والآلية والأمراض المتشابهة هي التي يخرج بها المزاج عن الاعتدال وهذا الخروج يسمى مرضا بعد أن يضر بالفعل إضرارا محسوسا وهي على ثمانية أضرب أربعة بسيطة وأربعة مركبة والبسيطة البارد والحار والرطب واليابس والمركبة الحار الرطب والحار اليابس والبارد اليابس وهي إما أن تكون بانصباب مادة أو بغير انصباب مادة وإن لم يضر المرض بالفعل يسمى خروجا عن الاعتدال صحة

وللبدن ثلاثة أحوال حال طبيعية وحال خارجة عن الطبيعية وحال متوسطة بين الأمرين فالأولى بها يكون البدن صحيحا والثانية يكون بها مريضا والحال الثالثة هي متوسطة بين الحالتين فإن الضد لا ينتقل إلى ضده إلا بمتوسط وسبب خروج البدن عن طبيعته إما من داخله لأنه مركب من الحار والبارد والرطب واليابس وإما من خارج فلأن ما يلقاه قد يكون موافقا وقد يكون غير موافق والضرر الذي يلحق الإنسان قد يكون من سوء المزاج بخروجه عن الاعتدال وقد يكون من فساد العضو وقد يكون من ضعف في القوى أو الأرواح الحاملة لها ويرجع ذلك إل زيادة ما الاعتدال في عدم زيادته أو نقصان ما الاعتدال في عدم نقصانه أو تفرق ما الاعتدال في اتصاله أو أتصال ما الاعتدال في تفرقه أو امتداد ما الاعتدال في انقباضه أو خروج ذي وضع وشكل عن وضعه وشكله بحيث يخرجه عن اعتداله فالطبيب هو الذي يفرق ما يضر بالإنسان جمعه أو يجمع فيه ما يضره تفرقه أو ينقص منه ما يضره زيادته أو يزيد فيه ما يضره نقصه فيجلب الصحة المفقودة أو يحفظها بالشكل والشبه ويدفع العلة الموجودة بالضد والنقيض ويخرجها أو يدفعها بما يمنع من حصولها بالحمية وسترى هذا كله في هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم شافيا كافيا يحول الله وقوته وفضله ومعونته
فصل فكان من هديه صلى الله عليه وسلم فعل التداوي في نفسه والأمر به لمن أصابه مرض من أهله أو أصحابه
ولكن لم يكن من هديه ولا هدي أصحابه استعمال هذه الأدوية المركبة التي تسمى أقراباذين بل كان غالب أدويتهم بالمفردات وربما أضافوا إلى المفرد ما يعاونه أو يكسر سورته وهذا غالب طب الأمم على اختلاف أجناسها من العرب والترك وأهل البوادي قاطبة وإنما عني بالمركبات الروم واليونانيون وأكثر طب الهند بالمفردات


وقد اتفق الأطباء على أنه متى أمكن التداوي بالغذاء لا يعدل إلى الدواء ومتى أمكن بالبسيط لا يعدل إلى المركب قالوا وكل داء قدر على دفعه بالأغذية والحمية لم يحاول دفعه بالأدوية قالوا ولا ينبغي للطبيب أن يولع بسقي الأدوية فإن الدواء إذا لم يجد في البدن داء يحلله أو وجد داء لا يوافقه أو وجد ما يوافقه فزادت كميته عليه أو كيفيته تشبث بالصحة وعبث بها وأرباب التجارب من الأطباء طبهم بالمفردات غالبا وهم أحد فرق الطب الثلاث والتحقيق في ذلك أن الأدوية من جنس الأغذية والأمة والطائفة التي غالب أغذيتها المفردات أمراضها قليلة جدا وطبها بالمفردات وأهل المدن الذين غلبت عليهم الأغذية المركبة يحتاجون إلى الأدوية المركبة وسبب ذلك أن امراضهم في الغالب مركبة فالأدوية المركبة أنفع لها وأمراض أهل البوادي والصحاري مفردة فيكفى في مداواتها الأدوية المفردة فهذا برهان بحسب الصناعة الطبية ونحن نقول إن ههنا أمرا آخر نسبة طب الأطباء إليه كنسبة طب الطرقية والعجائز إلى طبهم وقد اعترف به حذاقهم وأئمتهم فإن ما عندهم من العلم بالطب منهم من يقول هو قياس ومنهم من يقول هو تجربة ومنهم من يقول إلهامات ومنامات وحدس صائب ومنهم من يقول أخذ كثير منه من الحيوانات البهيمية كما نشاهد السنانير إذا كانت ذوات السموم تعمد إلى السراج فتلغ في الزيت تتداوى به وكما رؤيت الحيات إذا خرجت من بطون الأرض وقد غشيت أبصارها تأتي إلى ورق الرازيانج فتمر عيونها عليها وكما عهد من الطير الذي يحتقن بماء البحر عند انحباس طبعه وأمثال ذلك مما ذكر في مبادىء الطب

وأين يقع هذا وأمثاله من الوحي يوحيه الله إلى رسول بما ينفعه ويضره فنسبة ما عندهم من الطب إلى هذا الوحي كنسبة ما عندهم من العلوم إلى ماجاءت به الأنبياء بل ههنا من الأدوية التي تشفى من الأمراض ما لم يهتد إليها عقول أكابر الأطباء ولم تصل إليها علومهم وتجار بهم وأقيستهم من الأدوية القلبية والروحانية وقوة القلب واعتماده على الله والتوكل عليه والالتجاء إليه والانطراح والانكسار بين يديه والتذلل له والصدقة والدعاء والتوبة والاستغفار والإحسان إلى الخلق وإغاثة الملهوف والتفريج عن المكروب فإن هذه الآدوية قد جربتها الأمم على اختلاف أديانها ومللها فوجدوا لها من التأثير في الشفاء ما لا يصل إليه علم أعلم الأطباء ولا تجربته ولا قياسه وقد جربنا نحن وغيرنا من هذا أمورا كثيرة ورأيناها تفعل ما لا تفعل الأدوية الحسية بل تصير الأدوية الحسية عندها بمنزلة الأدوية الطرقية عند الطباء وهذا جار على قانون الحكمة الإلهية ليس خارجا عنها ولكن الأسباب متنوعة فإن القلب متى أتصل برب العالمين وخالق الداء والدواء ومدير الطبيعة ومصرفها على ما يشاء كانت له أدوية أخرى غير الأدوية التي يعانيها القلب البعيد منه المعرض عنه وقد علم أن الأرواح متى قويت وقويت النفس والطبيعة تعاونا على دفع الداء وقهره فكيف ينكر لمن قويت طبيعته ونفسه وفرحت بقربها من بارئها وأنسها به وحبها له وتنعمها بذكره وانصراف قواها كلها إليه وجمعها عليه واستعانتها به وتوكلها عليه أن يكون ذلك لها من أكبر الأدوية وتوجب لها هذه القوة دفع الألم بالكلمة ولا ينكر هذا إلا أجهل الناس وأعظمهم حجابا وأكثفهم نفسا وأبعدهم عن الله وعن حقيقة الإنسان وسنذكر إن شاء الله السبب الذي به أزالت قراءة الفاتحة داء اللدغة عن اللديغ التي رقي بها فقام حتى كان مابه قلبة

No comments: