Saturday, August 30, 2008

الراحة


الراحة وهو نوعان طبيعي وغير طبيعي فالطبيعي إمساك القوى النفسانية على أفعالها وهى قوى الحس والحركة الإرادية ومتى أمسكت هذه القوى عن تحريك البدن استرخى واجتمعت الرطوبات والأبخرة التي كانت تتحلل وتتفرق بالحركات واليقظة في الدماغ الذي هو مبدأ هذه القوى فيتخدر ويسترخى وذلك النوم الطبيعي واما النوم الغير طبيعي فيكون لعرض أو مرض وذلك بأن تستولى الرطوبات على الدماغ استيلاء لا تقدر اليقظة على تفريقها أو تصعد أبخرة رطبة كثيرة كما يكون عقيب الامتلاء من الطعام والشراب فتثقل الدماغ وترخيه فيتخدر ويقع إمساك القوى النفسانية عن أفعالها فيكون النوم وللنوم فائدتان جليلتان إحداهما سكون الجوارح وراحتها مما يعرض لها من التعب فيريح الحواس من نصب اليقظة ويزيل الاعياء والكلال والثانية هضم الغذاء ونضج الأخلاط لأن الحرارة الغريزية في وقت النوم تفور إلى باطن البدن فتعين على ذلك ولهذا يبرد ظاهره ويحتاج النائم إلى فضل دثار وانفع النوم أن ينام على الشق الأيمن ليستقر الطعام بهذه الهيئة في المعدة استقرارا حسنا فان المعدة أميل إلى الجانب الأيسر قليلا ثم يتحول الشق الأيسر قليلا ليسرع الهضم بذلك لاستمالة المعدة على الكبد ثم يستقر نومه على الجانب الأيمن ليكون الغذاء أسرع انحدارا عن المعدة فيكون النوم على الجانب الأيمن بداءة نومه ونهايته وكثرة النوم على الجانب الأيسر مضر بالقلب وبسبب ميل الأعضاء إليه فتنصب أليه المواد واردأ النوم النوم على الظهر ولا يضر الاستلقاء عليه للراحة من غير نوم

وأرادأ منه أن ينام منبطحا على وجهه وفي المسند وسنن ابن ماجه عن أبى إمامة قال مر النبى على رجل نائم في المسجد منبطحا على وجهه فضربه برجله وقال قم أو اقعد فإنها نومة جهنمية قال ابقراط في كتاب التقدمة وأما نوم المريض على بطنه من غير أن يكون عادته في صحته جرت بذلك فذلك يدل على اختلاط عقل وعلى الم في نواحى البطن قال الشراح لكتابه لأنه خالف العادة الجيدة وإلى هيئه رديئة من غير سبب ظاهر ولا باطن والنوم المعتدل ممكن للقوى الطبيعة من أفعالها ومريح للقوة النفسانية مكثر من جوهر حاملها حتى انه ربما عاد بالإرخاء مانعا من تحلل الأرواح ونوم النهار رديء يورث الأمراض الرطوبية والنوازل ويفسد اللون ويورث الطحال ويرخى العصب ويكسل ويضعف الشهوة إلا في الصيف وقت الهاجرة وأردؤه نوم أول النهار وأردأ منه النوم آخره بعد العصر ورأى عبدالله بن عباس ابنا له نائما نومة الصبحة فقال له قم أتنام في الساعة التي تقسم فيها الأرزاق وقيل نوم النهار ثلاثة خبق وخلق وحمق فالخلق نومه الهاجرة وهى خلق رسول الله والخرق نومة الضحى يشغل عن أمر الدنيا والآخرة والحمق نومة العصر قال بعض السلف من نام بعد العصر فاختلس عقله فلا يلومن إلا نفسه وقال الشاعر ألا أن نومات الضحى تورث الفتىخبالا ونومات العصير جنون ونوم الصبحة يمنع الرزق لأن ذلك وقت تطلب فيه الخليقة أرزاقها وهو وقت

قسمة الأرزاق فنومه حرمان إلا لعارض أو ضرورة وهو مضر جدا بالبدن لارخائه البدن افساده للفضلات التي ينبغى تحليلها بالرياضة فيحدث تكسرا وعيا وضعفا وان كان قبل التبرز والحركة والرياضة واشغال المعدة بشيء فذلك الداء العضال المولد لأنواع من الأدواء والنوم في الشمس يثير الداء الدفين ونوم الإنسان بعضه في الشمس وبعضه في الظل رديء وقد روى أبو داود في سننه من حديث أبى هريرة قال قال رسول الله إذا كان أحدكم في الشمس فقلص عنه الظل فصار بعضه في الشمس وبعضه في الظل فليقم وفي سنن ابن ماجه وغيره من حديث بريدة بن الحصيب أن رسول الله نهى أن يقعد الرجل بين الظل والشمس وهذا تنبيه على منع النوم بينهما وفي الصحيحين عن البراء بن عازب أن رسول الله قال إذا اتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة ثم اضجع على شقك اليمن ثم قل اللهم إنى أسلمت نفسى إليك ووجهت وجهى إليك وفوضت أمري إليك وأجأت ظهري إليك رغبة ورهبة إليك لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك آمنت بكتابك الذي أنزلت وبنبيك الذي أرسلت واجعلهن آخر كلامك فإن مت من ليلتك مت على الفطرة وفي صحيح البخاري عن عائشة أن رسول الله كان اذا صلى ركعتى الفجر يعنى سنتها اضجع على شقه الأيمن وقد قيل ان الحكمة في النوم على الجانب الأيمن ان لا يستغرق النائم في نومه لأن القلب فيه ميل ألى جهة اليسار فإذا نام على جنبه الأيمن طلب القلب مستقره من الجانب الأيسر وذلك يمنع من استقرار النائم واستثقاله في نومه بخلاف قراره في النوم على الجانب

اليسار فإنه مستقر فيحصل بذلك الدعة التامة فيستغرق الانسان في نومه ويستثقل فيفوته مصالح دينه ودنياه ولما كان النائم بمنزلة الميت والنوم أخو الموت ولهذا يستحيل على الحى الذى لا يموت سبحانه وأهل الجنة لا ينامون فيها و كان النائم محتاجا الى من يحرس نفسه ويحفظها مما يعرض لها من الآفات ويحرس بدنه أيضا من طوارق الآفات وكان ربه وفاطره تعالى هو المتولى لذلك وحده علم النبى النائم ان يقول كلمات التفويض والالتجاء والرغبة والرهبة ليستدعى بها كمال حفظ الله له وحراسته لنفسه وبدنه وأرشده مع ذلك الى ان يستذكر الايمان وينام عليه ويجعل التكلم به آخر كلامه فانه ربما توفاه الله في منامه فاذا كان الايمان آخر كلامه دخل الجنة وقوله أسلمت فتضمن هذا الهدى في المنام مصالح القلب والبدن والروح في النوم واليقضة والدنيا والآخرة فصلوات الله وسلامه على من نالت به أمته كل خير نفسى اليك أي جعلتها مسلمة لك تسليم العبد المملوك نفسه الى سيده ومالكه وتوجيه وجهه إليه يتضمن اقباله بالكلية على ربه واخلاص القصد والارادة له واقراره بالخضوع والذل والانقياد قال الله تعالى فإن حاجوك فقل اسلمت وجهى لله ومن اتبعن وذكر الوجه اذ هو اشرف ما فى الانسان ومجمع الحواس وايضا ففيه معنى التوجه والقصد من قوله رب العباد إليه الوجه والعمل وتفويض الأمر اليه رده الى الله سبحانه وذلك يوجب سكون القلب وطمأنينته والرضا بما يقضيه ويختار له مما يحبه ويرضاه والتفويض من أشرف مقامات العبودية ولا علة فيه وهو من مقامات الخاصة خلافا لزاعمى خلاف ذلك وإلجاء الظهر اليه سبحانه يتضمن قوة الاعتماد عليه والثقة به والسكون

اليه والتوكل عليه فان من أسند ظهره الى ركن وثيق لم يخف السقوط ولما كان للقلب قوتان قوة الطلب وهى الرغبة وقوة الهرب وهى الرهبة وكان العبد طالبا لمصالحة هاربا من مضارة جمع الامرين في هذا التفويض والتوجه فقال رغبة ورهبة اليك ثم اثنى على ربه بأنه لا ملجأ للعبد سواه ولا منجا له من غيره فهو الذى يلجأ اليه العبد لينجيه من نفسه كما في الحديث الاخر اعوذ برضاك من سخطك وبعفوك من عقوبتك وأعوذ بك منك فهو سبحانه الذى يعيذ عبده وينجيه من بأسه الذى بمشيئته وقدرته فمنه البلاء ومنه الاعانة ومنه ما يطلب النجاة منه واليه الالتجاء في النجاة فهو الذى يلجأ اليه في ان ينجى مما منه ويستعاذ به مما منه فهو رب كل شىء ولا يكون شىء ألا بمشيئته وان يمسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وقل من ذا الذى يعصمكم من الله ان اراد بكم سوءا أو أراد بكم رحمة ثم ختم الدعاء بالاقرار بالايمان بكتابه ورسوله الذى هو ملاك النجاة والفوز في الدنيا والآخرة فهذا هديه في نومه لو لم يقل انى رسول لكان شاهد في هديه ينطق فصل واما هديه في يقظته فكان يستيقظ اذا صاح الصارخ وهو الديك فيحمد الله تعالى ويكبره ويهلله ويدعوه ثم يستاك ثم يقوم الى وضوئه ثم يقف للصلاة بين يدى ربه مناجيا له بكلامه مثنيا عليه راجيا له راغبا راهبا فاى حفظ لصحة القلب والبدن والروح والقوى لنعيم الدنيا والآخرة فوق هذا فصل وانا تدبير الحركة والسكون وهو الرياضة فنذكر منها فصلا يعلم منه مطابقة هديه في ذلك لأكمل أنواعه وأحمدها وأصولها فنقول من المعلوم افتقار البدن في بقائه الى الغذاء والشراب ولا يصير الغذاء بجملته جزءا من البدن بل لا بد ان يبقى منه عند كل هضم بقية ما اذا كثرت على ممر الزمان اجتمع منها شىء له كمية وكيفية فيضر بكميته بأن يسد ويثقل البدن ويوجب أمراض

الاحتباس وان استفرغ تأذى البدن بالأدوية لأن أكثرها سمية ولا تخلو من اخراج الصالح المنتفع به ويضر بكيفيته بان يسخن بنفسه او بالعفن او يبرد بنفسه او يضعف الحرارة الغريزية عن انضاجه وسدد الفضلات لا محالة ضارة تركت أو استفرغت والحركة أقوى الأسباب في منع تولدها فانها تسخن الأعضاء وتسيل فضلاتها فلا تجتمع على طول الزمان ويعود البدن الخفة والنشاط ويجعله قابلا للغذاء ويصلب المفاصل ويقوى الأوتار والرباطات ويؤمن جميع الأمراض المادية وأكثر الأمراض المزاجية اذا استعمل القدر المعتدل منه في وقته وكان باقى التدبير صوابا ووقت الرياضة بعد انحدار الغذاء وكما الهضم والرياضة المعتدلة هي التى تحمر فيها البشرة وتربو ويتندى فيه البدن وأما التى يلزمها سيلان العرق فمفرطة وأى عضو كثرت رياضته قوى وخصوصا على نوع تلك الرياضة بل كل قوة فهذا شأنها فان من استكثر من الحفظ قويت حافظته ومن استكثر من الفكر قويت قوته المفكرة ولكل عضو رياضة تخصه فللصدر القراءة فلبتدىء فيها من من الخفية الى الجهر بتدريج ورياضة السمع بسمع الأصوات والكلام بالتدريج فينتقل من الأخف الى الأثقل وكذلك رياضة اللسان في الكلام وكذلك رياضة البصر وكذلك رياضة المشى بالتدريج شيئا فشيئا واما ركوب الخيل ورمى النشاب والصراع والمسابقة على الأقدام فرياضة للبدن كله وهى قالعة لأمراض مزمنة كالجذام الاستسقاء والقولنج ورياضة النفوس بالتعلم والتأدب والفرح والسرور والصبر والثبات والاقدام والسماح وفعل الخير ونحو ذلك مما ترتاض به النفوس ومن أعظم رياضتها الصبر


No comments: