فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في الحمية
الدواء كله شيآن حمية وحفظ صحة فإذاوقع التخليط أحتيج إلى الاستفراغ الموافق وكذلك مدار الطب كله على هذه القواعد الثلاث والحمية حميتان حمية عما يجلب المرض وحمية عما يزيده فيقف على حاله فالأولى حمية الأصحاء والثانية حمية المرضى فإن المريض إذا احتمى وقف مرضه عن التزايد وأخذت القوى في دفعه والأصل في الحمية قوله تعالى وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فحمى المريض من استعمال الماء لأنه يضره وفي سنن ابن ماجه وغيره عن أم المنذر بنت قيس الأنصارية قالت دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه علي وعلى ناقة من مرض ولنا دوال معلقة فقام رسول الله صلى الله عليه وسلميأكل منها وقام علي يأكل منها فطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعلي إنك ناقة حتى كف قالت وصنعت شعيرا وسلقا فجئت به فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي من هذا أصب فإنه أنفع لك وفي لفظ فقال من هذا فأصب فإنه أوفق لك وفي سنن ابن ماجه ايضا عن صهيب قال قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم وبين يديه خبز وتمر فقال ادن فكل فأخذت تمرا فأكلت فقال أتأكل تمرا وبك رمد فقلت يا رسول الله أمضغ من الناحية الأخرى فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي حديث محفوظ عنه صلى الله عليه وسلم إن الله إذا أحب عبدا حماه من الدنيا كما يحمي أحدكم مريضه عن الطعام والشراب وفي لفظ إن الله يحمي عبده المؤمن من الدنيا وأما الحديث الدائر على أسنة كثير من الناس الحمية رأس الدواء والمعدة بيت الداء وعودوا كل جسم ما أعتاد فهذا الحديث إنما هو من كلام الحرث بن كلدة طبيب العرب ولا يصح رفعه إلى النبي صلىالله عليه وسلم قاله غير واحد من أئمة الحديث ويذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم أن المعدة حوض البدن والعروق إليها واردة فإذا صحت المعدة صدرت العروق بالصحة وإذا سقمت المعدة صدرت العروق بالسقم وقال الحرث رأس الطب الحمية والحمية عندهم للصحيح في المضرة بمنزلة التخليط للمريض والناقة وأنفع ما تكون الحمية للناقه من المرض فإن طبيعته لم ترجع بعد إلى قوتها والقوة الهاضمة ضعيفة والطبيعة قابلة والأعضاء مستعدة فتخليطه يوجب انتكاستها وهو أصعب من ابتداء مرضه واعلم أن في منع النبي صلى الله عليه وسلم لعلي من الأكل من الدوالي وهوناقة أحسن التدبير فإن الدولي افناء من الرطب تعلق في البيت للأكل بمنزلة عناقيد العنب والفاكهة
تضر بالناقة من المرض لسرعة استحالتها وضعف الطبيعة عن دفعها فإنها بعد لم تتمكن قوتها وهي مشغولة بدفع آثار العلة وإزالتها من البدن وفي الرطب خاصة نوع ثقل على المعدة فتشتغل بمعالجته وإصلاحه عما هي بصدده من إزالة بقية المرض وآثاره فإما أن تقف تلك البقية وإما أن تتزايد فلما وضع بين يديه السلق والشعير أمره أن يصيب منه فإنه من أنفع الأغذية للناقة فإن في ماء الشعير من التبريد والتغذية والتلطيف والتليين وتقوية الطبيعة ما هو أصلح للناقة ولا سيما إذا طبخ بأصول السلق فهذا من أوفق الغذاء لمن في معدته ضعف ولا يتولد عنه من الأخلاط ما يخاف منه وقال زيد بن أسلم حمى عمر رضي الله عنه مريضا له حتى إنه من شدة ما حماه كان يمص النوى وبالجملة فالحمية من أكبر الأدوية قبل الداء فتمنع حصوله وإذا حصل فتمنع تزايده وانتشاره فصل ومما ينبغي أن يعلم أن كثيرا مما يحمى عنه العليل والناقة والصحيح إذا اشتدت الشهوت إليه ومالت إليه الطبيعة فتناول منه الشيء اليسير الذي لا تعجز الطبيعة عن هضمه لم يضره تناوله بل ربما انتفع به فإن الطبيعة والمعدة تتلقيانه بالقبول والمحبة فيصلحان ما يخشى من ضرره وقد يكون أنفع من تناول ما تكرهه الطبيعة وتدفعه من الدواء ولهذا أقر النبي صلى الله عليه وسلم صهيبا وهو أرمد على تناول التمرات اليسيرة وعلم أنها لا تضره ومن هذا ما يروى عن علي أنه دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أرمد وبين يدي النبي صلى الله عليه وسمل تمر يأكله فقال يا علي تشتهيه ورمى إليه بتمرة ثم بأخرى حتى رمى إليه سبعا ثم قال حسبك يا علي ومن هذا ما رواه ابن ماجه في سننه من حديث عكرمة عن ابن عباس
أن النبي صلى الله عليه وسلم عاد رجلا فقال له ما تشتهي فقال أشتهى خبز بر وفي لفظ اشتهى كعكا فقال النبي صلى الله عليه وسلم من كان عنده خبز بر فليبعث إلى أخيه ثم قال إذا اشتهى مريض أحدكم شيء فليطعمه ففي هذا الحديث سر طبي لطيف فإن المريض إذا تناول ما يشتهيه عن وجوع صادق طبيعي وكان فيه ضرر ما كان أنفع وأقل ضررا مما لا يشتهيه وإن كان نافعا في نفسه فإن صدق شهوته ومحبة الطبيعة له تدفع ضرره وبغض الطبيعة وكراهتها للنافع قد تجلب لها منه ضررا وبالجملة فاللذيذ المشتهى تقبل الطبيعة عليه بعناية فتهضمه على أحمد الوجوه سيماعند انبعاث النفس إليه بصدق الشهوة وصحة القوة والله أعلم
No comments:
Post a Comment