Saturday, August 30, 2008

في علاج الكرب والهم والحزن


فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في علاج الكرب والهم والحزن

أخرجا في الصحيحين من حديث ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول عند الكرب لا إله إلا الله العظيم الحليم لا إله إلا الله رب العرش العظيم لا إله إلا الله رب السموات السبع ورب الأرض رب العرش الكريم وفي جامع الترمذي عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا حزبه أمر قال

يا حي يا قيوم برحمتك استغيث وفيه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أهمه الأمر رفع طرفه إلى السماء فقال سبحان الله العظيم وإذا اجتهد في الدعاء قال يا حي يا قيوم وفي سنن ابي داود عن ابي بكر الصديق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال دعوات المكروب اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفه عين وأصلح لي شأني كله لا إله إلا أنت وفيها ايضا عن أسماء بنت عميس قالت قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا أعلمك كلمات تقوليهن عند الكرب أو في الكرب الله ربي لا أشرك به شيئا وفي رواية أنها تقال سبع مرات وفي مسند الإمام أحمد عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ما أصاب عبدا هم ولا حزن فقال اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن امتك ناصيتي بيدك ماض في حكمك عدل في قضاؤك أسألك بكل أسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتباك أو علمته أحدا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي إلا أذهب الله حزنه وهمه وأبدله مكانه فرحا وفي الترمذي عن سعد بن أبي وقاص قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم دعوة ذي النون إذ دعا ربه وهو في بطن الحوت لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجيب له وفي رواية إني لأعلم كلمة لا يقولها مكروب إلا فرج الله عنه كلمة أخي يونس وفي سنن أبي داود عن أبي سعيد الخدري قال دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم في المسجد فإذا هو برجل من الأنصار يقال له ابو أمامة فقال

يا أبا أمامة مالي أراك في المسجد في غير وقت الصلاة فقال هموم لزمتني وديون يا رسول الله فقال ألا أعلمك كلاما إذا أنت قلته أذهب الله عز وجل همك وقضى دينك قال قلت بلى يا رسول الله قال قل إذا أصبحت وإذا أمسيت اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن وأعوذ بك من العجز والكسل وأعوذ بك من الجبن والبخل وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال قال ففعلت ذلك فأذهب الله عز وجل همي وقضى عني ديني وفي سنن أبي داود عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا ورزقه من حيث لا يحتسب وفي المسند أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة وقد قال تعالى واستعينوا بالصبر الصلاة وفي السنن عليكم بالجهاد فإنه من أبواب الجنة يدفع الله به عن النفوس الهم والغم ويذكر عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم من كثرت همومه وغمومه فليكثر من قول ولا حول ولا قوة إلا بالله وثبت في الصحيحين أنها كنز من كنوز الجنة وفي الترمذي أنها باب من أبواب الجنة هذه الأدوية تتضمن خمسة عشر نوعا من الدواء فإن لم تقو على إذهاب داء الهم والغم والحزن فهو داء قد استحكم وتمكنت أسبابه ويحتاج إلى استفراغ كلي الأول توحيد الربوبية الثاني توحيد الإلهية الثالث التوحيد العلمي الاعتقادي الرابع تنزيه الرب تعالى عن أن يظلم عبده أو يأخذه بلا سبب من العبد يوجب ذلك الخامس اعتراف العبد بأنه هو الظالم

السادس التوسل إلى الرب تعالى بأحب الأشياء إليه وهو أسماؤه وصفاته ومن أجمعها لمعاني الأسماء والصفات الحي القيوم السابع الاستعانة به وحده الثامن إقرار العبد له بالرجاء التاسع تحقيق التوكل عليه والتفويض إليه والاعتراف له بأن ناصيته في يده يصرفه كيف يشاء وأنه ماض فيه حكمه عدل فيه قضاؤه العاشر أن يرتع قلبه في رياض القرآن ويجعله لقلبه كالربيع للحيوان وأن يستضىء به في ظلمات الشبهات والشهوات وأن يتسلى به عن كل فائت ويتعزى به عن كل مصيبة ويستشفى به من أدواء صدره فيكون جلاء حزنه وشفاء همه وغمه الحادي عشر الاستغفار الثاني عشر التوبة الثالث عشر الجهاد الرابع عشر الصلاة الخامس عشر البراءة من الحول والقوة وتفويضهما إلى من هما بيده فصل في بيان جهة تأثير هذه الأدوية في هذه الأمراض خلق الله سبحانه ابن آدم وأعضاءه وجعل لكل عضو منها كمالا إذا فقده أحس بالألم وجعل لملكها وهو القلب كمالا إذا فقده حضرته أسقامه وآلامه من الهموم والغموم والأحزان فإذا فقدت العين ما خلقت له من قوة الإبصار وفقدت الأذن ما خلقت له من قوة السمع وفقد اللسان ما خلق له من قوة الكلام فقدت كمالها والقلب خلق لمعرفة فاطره ومحبته وتوحيده والسرور به والابتهاج بحبه والرضا عنه والتوكل عليه والحب فيه والبغض فيه والموالاة فيه والمعاداة فيه ودوام

ذكره وأن يكون أحب إليه من كل ما سواه وأرجى عنده من كل ما سواه وأجل في قلبه من كل ما سواه ولا نعيم له ولا سرور ولا لذة بل ولا حياة إلا بذلك وهذا له بمنزلة الغذاء والصحة والحياة فإذا فقد غذاءه وصحته وحياته فالهموم والغموم والأحزان مسارعة من كل صوب إليه ورهن مقيم عليه ومن أعظم أدوائه الشرك والذنوب والغفلة والاستهانة بمحابة ومراضيه وترك التفويض إليه وقلة الاعتماد عليه والركون إلى ما سواه والسخط بمقدوره والشك في وعده ووعيده وإذا تأملت أمراض القلب وجدت هذه الأمور وأمثالها هي أسبابها لا سبب لها سواها فدواؤه الذي لا دواء له سواه ما تضمنته هذه العلاجات النبوية من الأمور المضادة لهذه الأدواء فإن المرض يزال بالضد والصحة تحفظ بالمثل فصحته تحفظ بهذه الأمور النبوية وأمراضه بأضدادها فالتوحيد يفتح للعبد باب الخير والسرور واللذة والفرح والابتهاج والتوبة استفراغ للأخلاط والمواد الفاسدة التي هي سبب أسقامه وحمية له من التخليط فهي تغلق عنه باب الشرور فيفتح له باب السعادة والخير بالتوحيد ويغلق باب الشرور بالتوبة والاستغفار قال بعض المتقدمين من ائمة الطب من أراد عافية الجسم فليقلل من الطعام والشراب ومن أراد عافية القلب فليترك الآثام وقال ثابت بن قرة راحة الجسم في قلة الطعام وراحة الروح في قلة الاثام وراحة اللسان في قلة الكلام والذنوب للقلب بمنزلة السموم إن لم تهلكه أضعفته ولا بد وإذا أضعفت قوته لم يقدر على مقاومة الأمراض قال طبيب القلوب عبد الله بن المبارك

رأيت الذنوب تميت القلوب وقد يورث الذل إدمانها وترك الذنوب حياة القلوب وخير لنفسك عصيانها فالهوى أكبر أدوائها ومخالفته أعظم أدويتها والنفس في الأصل خلقت جاهلة ظالمة فهي لجهلها تظن شفاءها في اتباع هواها وإنما فيه تلفها وعطبها ولظلمها لا تقبل من الطبيب الناصح بل يضع الداء موضع الدواء فتعتمده ويضع الدواء موضع الداء فتجتنبه فتيولد من بين إيثارها للداء واجتنابها للدواء أنواع من الأسقام والعلل التي تعيى الأطباء ويتعذر معها الشفاء والمصيبة العظمى أنها تركب ذلك على القدر فتبرىء نفسها وتلوم ربها بلسان الحال دائما ويقوى اللوم حتى يصرح اللسان وإذا وصل العليل إلى هذه الحال فلا يطمع في برئه إلا أن تتداركه رحمة من ربه فيحييه حياة جديدة ويرزقه طريقه حميدة فلهذا كان حديث ابن عباس في دعاء الكرب مشتملا على توحيد الإلهية والربوبية ووصف الرب سبحانه بالعظمة والحلم وهاتان الصفتان مستلزمتان لكمال القدرة والرحمة والإحسان والتجاوز ووصفه بكمال ربوبيته للعالم العلوي والسفلي والعرش الذي هو سقف المخلوقات وأعظمها و الربوبية التامة تستلزم توحيده وأنه الذي لا تنبغي العبادة والحب والخوف والرجاء والاحلال والطاعة إلا له وعظمته المطلقة تستلزم إثبات كل كمال له وسلب كل نقص وتمثيل عنه وحلمه يستلزم كمال رحمته وإحسانه إلىخلقه فنعلم القلب ومعرفته بذلك توجب محبته وإجلاله وتوحيده فيحصل له من الآبتهاج واللذة والسرور مايدفع عنه ألم الكرب والهم والغم وأنت تجد المريض إذا ورد عليه

ما يسر ويفرحه ويقوي نفسه كيف تقوى الطبيعة على دفع المرض الحسي فحصول هذا الشفاء للقلب أولى وأحرى ثم إذا قابلت بين ضيق الكرب وسعة هذه الأوصاف التي تضمنها دعاء الكرب وجدته في غاية المناسبة لتفريج هذا الضيق وخروج القلب منه إلى سعة البهجة والسرور وهذه الأمور إنما يصدق بها من أشرقت فيه أنوارها وباشر قلبه حقائقها وفي تأثير قوله يا حي يا قيوم برحمتك استغيث في دفع هذا الداء مناسبة بديعة فإن صفة الحياة متضمنة لجميع صفات الكمال مستلزمة لها وصفة القيومية متضمنة لجميع صفات الآفعال ولهذا كان اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى هو اسم الحي القيوم والحياة التامة تضاد جميع الأسقام والآلام ولهذا لما كملت حياة أهل الجنة لم يلحقهم هم ولا غم ولا حزن ولا شيء من الآفات ونقصان الحياة يضر بالأفعال وينافي القيومية فكمال القيومية لكمال الحياة فالحي المطلق التام لا يفوته صفة الكمال البتة والقيوم لا يتعذر عليه فعل ممكن البتة فالتوسل بصفة الحياة والقومية له تأثير في إزالة ما يضاد الحياة ويضر بالأفعال ونظير هذا توسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى ربه بربوبيته لجبريل وميكائيل وإسرافيل أن يهديه لما اختلف فيه من الحق بإذنه فإن حياة القلب بالهداية وقد وكل الله سبحانه هؤلاء الأملاك الثلاثة بالحياة فجبريل موكل بالوحي الذي هو حياة القلوب وميكائيل بالقطر الذي هو حياة الأبدان والحيوان وإسرافيل بالنفخ في الصور الذي هو سبب حياة العالم وعود الأرواح إلى أجسادها فالتوسل إليه سبحانه بربويته هذه الأرواح العظيمة الموكلة بالحياة له تأثير في حصول المطلوب والمقصود أن لاسم الحي القيوم تأثيرا خاصا في إجابة الدعوات وكشف الكربات

وفي السنن وصحيح ابي حاتم مرفوعا اسم الله الأعظم في هاتين الآيتين وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم وفاتحة آل عمران ألم الله لا إله إلا هو الحي القيوم قال الترمذي حديث صحيح وفي السنن وصحيح ابن حبان ايضا من حديث أنس أن رجلا دعا فقال اللهم إني أسالك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت المنان بديع المسوات والأرض يا ذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم فقال النبي صلى الله عليه وسلم لقد دعا الله باسمه الأعظم الذي إذا دعى به أجاب وإذا سئل به أعطى ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم إذااجتهد في الدعاء قال يا حي يا قيوم وفي قوله أللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين واصلح لي شأني كله لا إله إلا أنت من تحقيق الرجاء لمن الخير كله بيديه والاعتماد عليه وحده وتفويض الأمر إليه والتضرع إليه أن يتولى إصلاح شأنه ولا يكله إلى نفسه والتوسل إليه بتوحيد ما له تأثير قوي في دفع هذا الداء وكذلك قوله الله ربي لا أشرك به شيئا وأما حديث ابن مسعود اللهم إني عبدك ابن عبدك ففيه من المعارف الإلهية وأسرار العبودية مالا يتسع له كتاب فإنه يتضمن الاعتراف بعبوديته وعبودية آبائه وأمهاته وأن ناصيته بيده يصرفها كيف يشاء فلا يملك العبد دونه لنفسه نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا لأن من ناصيته بيد غيره فليس إليه شيء من أمره بل هو عان في قبضته ذليل تحت سلطان قهره وقوله ماض في حكمك عدل في قضاؤك متضمن لأصلين عظيمين عليهما مدار التوحيد أحدهما إثبات القدر وأن أحكام الرب تعالى نافذة في عبده ماضيه فيه لا انفكاك له عنها ولا حيلة له في دفعها

والثاني أنه سبحانه عدل في هذه الأحكام غير ظالم لعبده بل لا يخرج فيها عن موجب العدل والإحسان فإن الظلم سببه حاجة الظالم أو جهله أو سفهه فيستحيل صدوره ممن هو بكل شيء عليم ومن هو غني عن كل شيء وكل شيء فقير إليه ومن هو أحكم الحاكمين فلا تخرج ذرة من مقدروراته عن حكمته وحمده كما لم يخرج عن قدرته ومشيئته فحكمته نافذة حيث نفذت مشيئته وقدرته ولهذا قال نبي الله هود صلى الله على نبينا وعليه سلم وقد خوفه قومه بآلهتهم إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون من دونه فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون إني توكلت على الله ربي وربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم أي مع كونه سبحانه آخذا بنواصي خلقه وتصريفهم كما يشاء فهو على صراط مستقيم لا يتصرف فيهم إلا بالعدل والحكمة والإحسان والرحمة فقوله ماض في حكمك مطابق لقوله ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها وقوله عدل في قضاؤك مطابق لقوله إن ربي على صراط مستقيم ثم توسل إلى ربه باسمائه التي سمى بها نفسه ما علم العباد منها وما لم يعلموا ومنها ما أستأثره في علم الغيب عنده فلم يطلع عليه ملكا مقربا ولا نبيا مرسلا وهذه الوسيلة أعظم الوسائل وأحبها إلى الله وأقربها تحصيلا للمطلوب ثم سأله أن يجعل القرآن لقلبه كالربيع الذي يرتع فيه الحيوان وكذلك القرآن ربيع القلوب وأن يجعله شفاء همه وغمه فيكون له بمنزلة الدواء الذي يستأصل الداء ويعيد البدن إلى صحته واعتداله وأن يجعله لحزنه كالجلاء الذي يجلو الطبوع والأصدية وغيرها فأحرى بهذا العلاج إذا صدق العليل في استعماله أن يزيل عنه داءه ويعقبه

شفاء تاما وصحة وعافية والله الموفق وأما دعوة ذي النون فإن فيها من كمال التوحيد والتعزية للرب تعالى واعترف العبد بظلمة وذنبه ما هو من أبلغ أدوية الكرب والهم والغم وأبلغ الوسائل إلى الله سبحانه في قضاء حوائجه فإن التوحيد والتنزيه يتضمنان إثبات كل كمال لله وسلب كل نقص وعيب وتمثيل عنه والاعتراف بالظلم يتضمن إيمان العبد بالشرع والثواب والعقاب ويوجب انكساره ورجوعه إلى الله واستقالة عثرته والاعتراف بعبوديته وافتقاره إلى ربه فمنها أربعة أمور قد وقع التوسل بها التوحيد والتنزيه والعبودية والاعتراف وأما حديث أبي أمامة اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن فقد تضمن الاستعاذة من ثمانية أشياء كل اثنين منها قرينان مزدوجان فالهم والحزن أخوان والعجز الكسل أخوان والجبن والبخل أخوان وضلع الدين وغلبة الرجال أخوان فأن المكروه المؤلم إذا ورد على القلب فإما أن يكون سببه أمرا ماضيا فيوجب له الحزن وإن كان امرا متوقعا في المستقبل أوجب الهم وتخلف العبد عن مصالحه وتفويتها عليها إما أن يكون من عدم القدرة وهو العجز أو من عدم الإرادة وهو الكسل وحبس خيرة ونفعه عن نفسه وعن بني جنسه إما أن يكون منع نفعه ببدنه فهو الجبن أو بماله فهو البخل وقهر الناس له إما بحق فهو ضلع الدين أو بباطل فهو غلبة الرجال فقد تضمن الحديث الاستعاذة من كل شر وأماتأثير الاستغفار في دفع الهم والغم والضيق فلما اشترك في العلم به أهل الملل وعقلاء كل أمة أن المعاصي والفساد توجب الهم والغم والخوف والحزن وضيق الصدر وأمراض القلب حتى إن أهلها إذا قضوا منها أو وطارهم وسئمتها نفوسهم ارتكبوها

دفعا لما يجدونه في صدورهم من الضيق والهم والغم كما قال شيخ الفسوق وكأس شربت على لذة وأخرى تداوتت منها بها وإذا كان هذا تأثير الذنوب والاثام في القلوب فلا دواء لها إلا التوبة والاستغفار وأما الصلاة فشأنها في تفريح القلب وتقويته وشرحه وابتهاجه ولذته أكبر شأن وفيها من اتصال القلب والروح بالله وقربه والتنعم بذكره والابتهاج بمناجاته والوقوف بين يديه واستعمال جميع البدن وقواه وآلاته في عبوديته وإعطاء كل عضوحظه منها واشتغاله عن التعلق بالمخلوق وملابستهم ومحاورتهم وانجذاب قوي قلبه وجوارحه إلى ربه وفاطره وراحته من عدوه حالة الصلاة ما صارت به من أكبر الأدوية والمفرحات والأغذية التي لا تلائم إلا القلوب الصحيحة وأما القلوب العليلة فهي كالأبدان العلية لاتناسبها الأغذية الفاضلة فالصلاة من أكبر العون على تحصيل مصالح الدنيا والآخرة ودفع مفاسد الدنيا والآخرة وهي منهاة عن الإثم ودافعة لأدواء القلوب ومطردة للداء عن الجسد ومنورة للقلب وبيضة للوجه ومنشطة للجوارح والنفس وجالبة للرزق ودافعة للظلم وناصرة للمظلوم وقامعة لأخلاط الشهوات وحافظة للنعمة ودافعة للنقمة ومنزلة للرحمة وكاشفة للغمة ونافعة من كثير من أوجاع البطن وقد روى ابن ماجة في سننه من حديث مجاهد عن أبي هريرة قال رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا نائم أشكو من وجع بطني فقال لي يا ابا هريرة اشكم درد قال قلت نعم يا رسول الله قال قم فصل فإن في الصلاة شفاء وقد روى هذا الحديث موقوفا على أبي هريرة وأنه هو الذي قال ذلك لمجاهد وهو

أشبه ومعنى هذه اللفظة بالفارسية أيوجعك بطنك فإن لم ينشرح صدر زنديق الأطباء بهذا العلاج فيخاطب بصناعة الطب ويقال له الصلاة رياضة النفس والبدن جميعا إذ كانت تشتمل على حركات وأوضاع مختلفة من الانتصاب والركوع والسجود والتورك والانتقالات وغيرها من الأوضاع التي يتحرك معها أكثر المفاصل وينغمز معها أكثر الأعضاء الباطنة كالمعدة والأمعاء وسائر آلات النفس والغذاء فما ينكر أن في هذه الحركات تقوية وتحليلا للمواد ولا سيما بواسطة قوة النفس وانشراحها في الصلاة فتقوى الطبيعة فيندفع الألم ولكن داء الزندقة والإعراض عما جاءت به الرسل والتعوض عنه بالإلحاد داء ليس له دواء إلا نار تلظى لا يصلاها إلا الأشقى الذي كذب وتولى وأما تأثير الجهاد في دفع الهم والغم فأمر معلوم بالوجدان فإن النفس متى تركت صائل الباطل وصولته واستيلاءه اشتد همها وغمها وكربها وخوفها فإذا جاهدته لله تعالى أبدل الله ذلك الهم والحزن فرحا ونشاطا وقوة كما قال تعالى قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين ويذهب غيظ قلوبهم فلا شيء أذهب لجوى القلب وغمه وهمه وحزنه من الجهاد والله المتسعان وأما تأثير لا حول ولا قوة إلا بالله في دفع هذا الداء فلما فيها من كمال التفويض والتبرىء من الحول والقوة إلا به وتسليم الأمر كله له وعدم منازعته في شيء منه وعموم ذلك لكل تحول من حال إلى حال في العالم العلوي والسفلي والقوة على ذلك التحول وأن ذلك كله بالله وحده فلا يقوم لهذه الكلمة شيء وفي بعض الآثار أنه ما ينزل ملك من السماء ولا يصعد إليها إلا بلا حول ولا قوة إلا بالله ولها تأثير عجيب في طرد الشيطان والله المستعان

No comments: