فهذان نوعان من الطب النبوي نحن بحول الله نتكلم عليهما بحسب الجهد والطاقة ومبلغ علومنا القاصر ومعارفنا المتلاشية جدا وبضاعتنا المزجاة ولكنا نستوهب من بيده الخير كله ونستمد من فضله فإنه العزيز الوهاب فصل روى مسلم في صحيحه من حديث أبي الزبير عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لكل داء دواء فإذا أصيب دواء الداء برأ بإذن الله عز وجل وفي الصحيحين عن عطاء عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أنزل الله من داء إلا أنزل له شفاء وفي مسند الإمام أحمد من حديث زياد بن علاقة عن أسامة بن شريك قال كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم وجاءت الأعراب فقالوا يا رسول الله أنتداوى فقال نعم يا عبد الله تداووا فإن الله عز وجل لم يضع داء إلا وضع له شفاء غير داء واحد قالوا ما هو قال الهرم وفي لفظ إن الله لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء علمه من علمه وجهله من جهله وفي المسند من حديث ابن مسعود يرفعه إن الله عز وجل لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء علمه من علمه وجهله من جهله وفي المسند والسنن عن أبي خزامة قال قلت يا رسول الله أرأيت رقي
تسترقيها ودواء نتداوى به وتقاة نتقيها هل ترد من قدر الله شيئا فقال هي من قدر الله فقد تضمنت هذا الأحاديث إثبات الأسباب والمسببات وإبطال قول من أنكرها ويجوز أن يكون قوله لكل داء دواء على عمومه حتى يتناول الأدواء القاتلة والأدواء التي لا يمكن طبيبا أن يبرئها ويكون الله عز وجل قد جعل لها أدوية تبرئها ولكن طوى علمها عن البشر ولم يجعل إليه سبيلا لأنه لا علم للخلق إلا ما علمهم الله ولهذا علق النبي صلى الله عليه وسلم الشفاء على مصادقة الدواء للداء فإنه لا شيء من المخلوقات إلا له ضد فكل داء له ضد من الدواء يعالج بضده فعلق النبي صلى الله عليه وسلم البرء بموافقة الداء للدواء وهذا قدر زائد على مجرد وجوده فإن الدواء متى جاوز درجة الداء في الكيفية أو زاد في الكمية على ما ينبغي نقله إلى داء آخر ومتى قصر عنها لم يف بمقاومته وكان العلاج قاصرا ومتى لم يقع المداوي عل الدواء لم يحصل الشفاء ومتى لم يكن الزمان صالحا لذلك الدواء لم ينفع ومتى كان البدن غير قابل له أو القوة عاجزة عن حمله أو ثم مانع يمنع من تأثيره لم يحصل البرء لعدم المصادفة ومتى تمت المصادفة حصل البرء ولابد وهذا أحسن المحملين في الحديث والثاني أن يكون من العام المراد به الخاص لا سيما والداخل في اللفظ أضعاف الخارج منه وهذا يستعمل في كل لسان ويكون المراد أن الله لم يضع داء يقبل
الدواء إلا وضع له دواء فلا يدخل في هذا الأدواء التي لا تقبل الدواء وهذا كقوله تعالى في الريح التي سلطها على قوم عاد تدمر كل شيء بأمر ربها أي كل شيء يقبل التدمير ومن شأن الريح أن تدمره ونظائره كثيرة ومن تأمل خلق الأضداد في هذا العالم ومقاومة بعضها لبعض ودفع بعضها ببعض وتسليط بعضها على بعض تبين له كمال قدرة الرب تعالى وحكمته وإتقانه ما صنعه وتفرده بالربوبية والوحدانية والقهر وأن كل ما سواه فله ما يضاده ويمانعه كما أنه الغني بذاته وكل ما سواه محتاج بذاته وفي هذه الأحاديث الصحيحة الأمر بالتداوي وأنه لا ينافي التوكل كما لا ينافيه دفع داء الجوع والعطش والحر والبر بأضدادها بل لا يتم حقيقة التوحيد إلا بمباشرة الأسباب التي نصبها الله مقتضيات لمسبباتها قدرا وشرعا وأن تعطيلها يقدح في نفس التوكل كما يقدح في الأمر والحكمة ويضعفه من حيث يظن معطلها أن تركها أقوى في التوكل فإن تركها عجزا ينافي التوكل الذي حقيقته اعتماد القلب على الله في حصول ما ينفع العبد في دينه ودنياه ودفع ما يضره في دينه ودنياه ولا بد مع هذا الاعتماد من مباشرة الأسباب وإلا كان معطلا للحكمة والشرع فلا يجعل العبد عجزه توكلا ولا توكله عجزا وفيها رد على من أنكر التداوي وقال إن كان الشفاء قد قدر فالتدواي لا يفيد وإن لم يكن قدر فكذلك وأيضا فإن المرض حصل بقدر الله وقدر الله لا يدفع ولا يرد وهذا السؤال هو الذي أورده الأعراب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأما أفاضل الصحابة فأعلم بالله وحكمته وصفاته من أن يوردوا مثل هذا
وقد أجابهم النبي صلى الله عليه وسلم بما شفي وكفى فقال هذه الأدوية والرقي والتقي هي من قدر الله فما خرج شيء عن قدره بل يرد قدره بقدره وهذا الرد من قدره فلا سبيل إل الخروج عن قدره بوجه ما وهذا كرد قدر الجوع والعطش والحر والبرد بأضدادها وكرد قدر العدو بالجهاد وكل من قدر الله الدافع والمدفوع والدفع وقال لموردها هذا السؤال هذا يوجب عليك أن لا تباشر سببا من الأسباب التي تجلب بها منفعة أو تدفع بها مضرة لأن المنفعة والمضرة إن قدرتا لم يكن بد من وقوعهما وإن لم تقدرا لم يكن سبيل إلى وقوعهما وفي ذلك خراب الذين والدنيا وفساد العالم وهذا لا يقوله إلا دافع للحق معاند له فيذكر القدر ليدفع حجةالمحق عليه كالمشركين الذين قالوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا و لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء نحن ولا آباؤنا فهذا قالوه دفعا لحجة الله عليهم بالرسل وجواب هذا السائل أن يقال بقي قسم ثالث لم تذكره وهو أن الله قدر كذا وكذا بهذا السبب فإن أتيت بالسبب حصل المسبب وإلا فلا فإن قال إن كان قدر لي السبب فعلته وإن لم يقدره لي لم أتمكن من فعله قيل فهل تقبل هذا الاحتجاج من عبدك وولدك وأجيرك إذا احتج به عليك فيما أمرته به ونهيته عنه فخالفك فإن قبلته فلا تلم من عصاك وأخذ مالك وقذف عرضك وضيع حقوقك وإن لم تقبله فكيف يكون مقبولا منك في دفع حقوق الله عليك وقد روى في أثر اسرئيلي أن إبراهيم الخليل قال يا رب ممن الداء قال
مني قال فيمن الدواء قال مني قال فما بال الطبيب قال رجل أرسل الدواء على يديه وفي قوله صلى الله عليه وسلم لكل داء دواء تقوية لنفس المريض والطبيب وحث على طلب ذلك الدواء والتفتيش عليه فإن المريض إذا استشعرت نفسه أن لدائه دواء يزيله تعلق قلبه بروح الرجاء وبرد من حرارة اليأس وانفتح له باب الرجاء ومتى قويت نفسه انبعثت حرارته الغريزية وكان ذلك سببا لقوة الأرواح الحيوانية والنفسانية والطبيعية ومتى قويت هذه الأرواح قويت القوي التي هي حاملة لها فقهرت المرض ودفعته وكذلك الطبيب إذا علم أن لهذا الداء دواء أمكنه طلبه والتفتيش عليه وأمراض الابدان على وزان أمراض القلوب وما جعل الله للقلب مرضا إلا جعل له شفاء بضدده فإن علمه صاحب الداء واستعمله وصادف داء قلبه أبرأه بإذن الله تعالى فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في الحتماء من التخم والزيادة في الأكل على قدر الحاجة والقانون الذي ينبغي مراعاته في الأكل والشرب أنه قال ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطن بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه فإن كان لا بد فاعلا فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه فصل الأمراض نوعان امراض مادية تكون عن زيادة مادة أفرطت في البدن حتى أضرت بأفعاله الطبيعية وهي الأمراض إلا كثرية وسببها إدخال الطعام على البدن قبل هضم الأول والزيادة في القدر الذي يحتاج إليه البدن وتناول الأغذية القليلة النفع البطيئة الهضم والإكثار من الأغذية المختلفة التراكيب المتنوعة فإذا ملأ الآدمي بطنه من هذه الأغذية واعتاد ذلك أورثته امراضا متنوعة منها بطيء
الزوال أو سريعة فإذا توسط في الغذاء وتناول منه قدر الحاجة وكان معتدلا في كميته وكيفيته كان انتفاع البدن به أكثر من انتفاعه بالغذاء الكثير
No comments:
Post a Comment