Friday, August 29, 2008

في علاج السحر الذي سحرته اليهودية


فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في علاج السحر الذي سحرته اليهودية
قد أنكر هذا طائفة من الناس وقالوا لا يجوز هذا عليه وظنوه نقصا وعيبا وليس الأمر كما زعموا بل هو من جنس ما كان يعتريه صلى الله عليه وسلم من الأسقام والأوجاع وهو مرض من الأمراض وإصابته به كإصابته بالسم لا فرق بينهما وقد ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إن كان ليخيل إليه أنه يأتي نساءه ولم يأتهن وذلك أشد ما يكون من السحر قال القاضي عياض والسحر مرض من الأمراض وعارض من العلل يجوز

عليه صلى الله عليه وسلم كأنواع الأمراض مما لا ينكر ولا يقدح في ثبوته وأما كونه يخيل إليه أنه فعل الشيء ولم يفعله فليس في هذا ما يدخل عليه داخلة في شيء من صدقه لقيام الدليل والإجماع على عصمته من هذا وإنما هذا فيما يجوز طرؤه عليه في أمر دنياه التي لم يبعث لسببها ولا فضل من أجلها وهو فيها عرضة للآفات كسائر البشر فغير بعيد أنه يخيل إليه من أمورها لا حقيقة له ثم يتجلى عنه كما كان والمقصود ذكر هديه في علاج هذا المرض وقد روى عنه نوعان أحدهما وهو أبلغهما استخراجه وتبطيله كما صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه سأل ربه سبحانه في ذلك فدل عليه فاستخرجه من بئر فكان في مشط ومشاطة وجف طلعة ذكر فلما استخرجه ذهب ما به حتى كأنما نشط من عقال فهذا من أبلغ ما يعالج به المطبوب وهذا بمنزلة إزالة المادة الخبيثة وقلعها من الجسد بالاستفراغ والنوع الثاني الاستفراغ في المحل الذي يصل إليه أذى السحر فإن للسحر تأثيرا في الطبيعة وهيجان أخلاطها وتشويش مزاجها فإذا ظهر أثره في عضو وأمكن استفراغ المادة الرديئة من ذلك العضو نفع جدا وقد ذكر أبو عبيد في كتاب غريب الحديث له بإسناده عن عبد الرحمن ابن أبي ليلى أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم على رأسه بقرن حين طب قال أبو عبيد معنى طب أي سحر وقد أشكل هذا على من قل علمه وقال ما للحجامة والسحر وما الرابطة بين هذا الداء وهذا الدواء ولو وجد هذا القائل أبقراط او ابن سينا أو غيرهما قد نص على هذا العلاج لتلقاه بالقبول والتسليم وقال قد نص عليه من لا نشك في معرفته وفضله

فاعلم أن مادة السحر الذي أصيب به النبي صلى الله عليه وسلم انتهت إلى رأسه إلى إحدى قواه التي فيه بحيث كان يخيل إليه أنه يفعل الشيء ولم يفعله وهذا تصرف من الساحر في الطبيعة والمادة الدموية بحيث غلبت تلك المادة على البطن المقدم منه فغيرت مزاجه عن طبيعته الأصلية والسحر مركب من تأثيرات الأرواح الخبيثة وانفعال القوى الطبيعية عنها وهو سحر التمريجات وهو أشد ما يكون من السحر ولا سيما في الموضع الذي انتهى إليه السحر واستعمال الحجامة على ذلك المكان الذي تضررت أفعاله بالسحر من أنفع المعالجة إذا استعملت على القانون الذي ينبغي قال أبقراط الأشياء التي ينبغي أن تستفرغ يجب أن تستفرغ من المواضع التي هي إليها أميل بالأشياء التي تصلح لاستفراغها وقالت طائفة من الناس إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أصيب بهذا الداء وكان يخيل إليه أنه فعل الشيء ولم يفعله ظن أن ذلك عن مادة دموية أو غيرها مالت إلى جهة الدماغ وغلبت على البطن المقدم منه فأزالت مزاجه عن الحالة الطبيعية له وكان استعمال الحجامة إذ ذاك من أبلغ الأدوية وأنفع المعالجة فاحتجم وكان ذلك قبل أن يوحي إليه أن ذلك من السحر فلما جاءه الوحي من الله تعالى وأخبره أنه قد سحر عدل إلى العلاج الحقيقي وهو استخراج السحر وإبطاله فسأل الله فدله على مكانه فاستخرجه فقام كأنما نشط من عقال وكان غاية هذا السحر فيه إنما هو في جسده وظاهر جوارحه لا على عقله وقلبه ولذلك لم يكن يعتقد صحة ما يخيل إليه من إتيان النساء بل يعلم أنه خيال لا حقيقة له ومثل هذا قد يحدث من بعض الأمراض والله أعلم فصل ومن أنفع علاجات السحر الأدوية الألهية بل هي أدويته النافعة بالذات فإنه من تأثيرات الأوراح الخبيثة السفلية ودفع تأثيرها يكون بما يعارضها ويقاومها

من الأذكار والآيات والدعوات التي تبطل فعلها وتأثيرها وكلما كانت أقوى وأشد كانت أبلغ في النشرة وذلك بمنزلة التقاء جيشين مع كل واحد منهما عدته وسلاحه فإيهما غلب الاخر قهره وكان الحكم له فالقلب إذا كان ممتلئا من الله مغمورا بذكره وله من التوجهات والدعوات والأذكار والتعوذات ورد لا يخل به يطابق فيه قلبه لسانه كان هذا من أعظم الأسباب التي تمنع إصابة السحر له ومن أعظم العلاجات له بعد ما يصيبه وعند السحرة أن سحرهم إنما يتم تأثيره في القلوب الضعيفة المنفعلة والنفوس الشهوانية التي هي معلقة بالسفليات ولهذا غالب ما يؤثر في النساء والصبيان والجهال وأهل البوادي ومن ضعف حظه من الدين والتوكل والتوحيد ومن لا نصيب له من الأوراد الإلهية والدعوات والتعوذات النبوية وبالجملة فسلطان تأثيره في القلوب الضعيفةالمنفعلة التي يكون ميلها إلى السفليات قالوا والمسحور هو الذي يعين على نفسه فإنا نجد قلبه متعلقا بشيء كثير الألتفات إليه فيتسلط على قلبه بما فيه من الميل والالتفات والأرواح الخبيثة إنما تتسلط على أرواح تلقاها مستعدة لتسليطها عليها بميلها إلى ما يناسب تلك الأرواح الخبيثة وبفراغها من القوة الآلهية وعدم أخذها للعدة التي تحاربها بها فتجدها فارغة لاعدة معها وفيها ميل إلى ما يناسبها فتتسلط عليها ويتمكن تأثيرها فيها بالسحر وغيره والله أعلم

No comments: